[center]المحور الأول/ نعمة الوجود وقدسية الحياة
إن الله سبحانه وتعالى هو من يهب الحياة للإنسان، وهو بيده أن يبقي الإنسان متمتعًا بهذه الحياة، لذا فحياة الإنسان بدأت بقرار إلهي، وتستمر ـ كذلك ـ بقرار إلهي، فلا يجوز ـ في التشريعات والأديان ـ أن يزهق الإنسان روحه بأي سبب وحجة.
فالفقهاء المسلمون ـ ويشاركهم اتباع الديانات السماوية ـ يفتون بحرمة إجهاض الجنين، لأنه إزهاق للنفس البشرية التي أوجدها الله سبحانه، وليس للإنسان تقرير المصير فيها.
والأمر ذاته بالنسبة للميت سريريًّا، حيث يحرم نزع الأجهزة عن المريض الذي حكم بموته سريريًّا، بل يطبق على من يقوم بنزع الأجهزة الطبية عن المريض ويتسبب بتسريع موته أنه قاتل، حسب فتوى الفقهاء.
بل حتى الأحكام الشرعية إذا كانت تتسبب في ضرر يؤثر على حياة الانسان، فالإسلام يأمر بعدم القيام بها، وذلك مثل الصوم إذا كان يضر بصحة الإنسان.
ومن الأحكام الفقهية: أنه يحرم على الإنسان أن يُقْدِم على قتل نفسه (أن ينتحر)، بل حتى مجرّد تمني الموت مكروه في الإسلام. فقد ورد أن الرسول دخل على عمّه العباس، وهو في مرض شديد تمنى بسببه الموت، فقال له الرسول : ««يا عباس، يا عمَّ رسول الله، لا تتمنَّ الموت، فإن كنت محسنًا فتزداد بحياتك إحسانًا، وإن كنت مسيئًا فتؤخر حتى تستعتب»».
ثقافة الموت
إن الإسلام ينشر ثقافة الحياة وقدسيتها، ولكن قد تظهر جماعات تتبنى فكرًا مغايرًا لروح التشريع الإسلامي، فتتبنى ثقافة معاكسة هي أقرب لما يمكن تسميته بثقافة الموت، وربما يعود ذلك إلى عاملين:
الأول: لشبهة فكرية، ناتجة عن فهم منقوص للنصوص الإسلامية، فبعضهم قد يفهم من الروايات التي تتحدث عن فضيلة الموت في الحج أو في مكة فَضْلَ الإقدام على الموت ـ اختيارًا ـ في مكة ـ مثلاً ـ، كما تحدثت في ذلك بعض الصحف السعودية عن شاب أندنوسي ألقى بنفسه من الطابق التاسع في موسم الحج عندما قرأ حديثًا يتحدث عن فضيلة الموت في الحج.
الثاني: ثقافة الاستهتار، وهي ثقافة شريحة كبيرة من الجيل الشاب، الذي لا يعطي قيمة للحياة، وذلك من خلال استهتاره بالأنظمة المرورية وعدم مراعاته لقواعد السلامة والنظام العام، وهي ثقافة فاقدة لروح المسؤولية ومتجاهلة لما لهذه الأنظمة من دور في حفظ الأرواح والممتلكات.
وكذلك القيام ببعض التصرفات الطائشة كالتفحيط بالسيارات الذي يعرض الأرواح للخطر.
المحور الثاني/ سفك الدماء جرم أكبر
لو تأملنا النصوص الإسلامية لما وجدنا أن هناك ذنبا وجرمًا أعظم في الإسلام من إزهاق النفوس، فالدماء خط أحمر، يقول تعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة: 32)، فهذه الآية الكريمة توضح أن إزهاق النفس خط لا يجوز تجاوزه إلا في حدود القصاص، بل حتى القصاص لا يجب إزهاق النفس فيه إذا عفا ولي الدم، يقول تعالى: ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾(الإسراء:33).
وهناك روايات كثيرة تشير إلى خطورة وحرمة إزهاق النفس، ورد عن الرسول :
««لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا»
«أول ما يقضي الله سبحانه وتعالى بين الناس يوم القيامة سيقضي في الدماء».
«من أعان على دم حرام بشطر كلمة لقي الله تعالى يوم القيامة مكتوبًا على جبينه آيس من رحمة الله».
«لَزَوالُ الدنيا وأهلها أهون عند الله من دم إنسان يسفك من دون حق».»
وفي فقهنا الإسلامي يفتي الفقهاء أنه في حال أقدم إنسان على قتل آخر، وكان ذلك بمرأى من ثالث بينهما وكان يقدر على دفع جريمة القتل ولم يفعل فحكم هذا الثالث أن تسمل عينه.
إن الدراسة الواعية للنصوص الإسلامية ومواقف الرسول في سيرته تبين وبوضوح القيمة الكبيرة التي يوليها الإسلام للحياة.
ولذلك فما تقوم به بعض الجماعات التكفيرية والإرهابية من إزهاق للنفس ونسب هذا العمل للإسلام هو أكبر تشويه لديننا الإسلامي الحنيف، وأكبر تشويه لسيرة الرسول الداعية إلى السلام وحفظ النفوس والأرواح، بل هذه الجماعات هي من تتحمل العبء والمسؤولية الكبرى في ما نشاهده اليوم من تهم للإسلام والرسول الأكرم حمل بعض المتعصبين إلى الإقدام على رسم كاريكاتورات مسيئة لرسولنا الكريم .
إن المؤرخين حينما يدرسون سيرة الرسول ويحصون عدد غزواته وسراياه يصلون بها إلى 83 غزوة وسرية، يجدون أن مجموع قتلى الحروب التي خاضها الرسول من جميع الأطراف: المسلمين واليهود والمشركين لا يتجاوز في أعلى رقم على 1400 إنسان، وهو رقم قليل بالمقارنة مع قتلى حروب ذلك الوقت.
وما ذلك إلا من حرص الرسول على عدم اللجوء إلى سفك الدماء.
ولكن ما جرى بعد رحيل الرسول ووصول بني أمية للحكم غير كثيرًا من الصورة الإسلامية المشرقة، فالأمويون لم تكن للحياة عندهم قيمة في مقابل الوصول للسلطة أو المحافظة على البقاء فيها، فهذا مسلم بن عقبة الذي يرسله يزيد على رأس جيش إلى المدينة يقتل في واقعة الحرة أكثر من عشرة آلاف إنسان.
ويبلغ من قتلهم الحجاج بين يوسف صبرًا وتعذيبًا أكثر من 120 ألف إنسان.
ولذلك فإن أهل البيت عندما اتخذوا موقف المعارضة لهذه السلطات كان بدافع الحفاظ على روح وتعاليم الإسلام من الاندثار والضياع بسبب هذه السياسات البعيدة كل البعد عن الروح الإسلامية.
يقول الإمام الحسين في وصيته إلى أخيه محمد بن الحنفية: «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي»، لإصلاح هذا الواقع الفاسد، ومنه الحفاظ على قدسية الحياة وقيمتها التي أهدرتها سياسات بني أمية الظالمة. [/center]