يكثر الحديث هذه الأيام عن حزام الأمان وأهميته، وأن رطبه دليل على وعي السائق وحرصه على الأمن والسلامة، وهذا صحيح ولا غبار عليه, لكن لأن حزام الأمان قد حظي بزخم إعلامي وتوعوي فقد تولد عند البعض ما يشبه التزامن بين الوعي المروري وبين حزام الأمان، فإذا ذكر حزام الأمان ذكر الوعي المروري، وإذا غاب الوعي المروري غاب ربط حزام الأمان, وفي الحقيقة، فإن الوعي المروري أشمل وأعم من أن يقتصر على ربط حزام الأمان، وأن ربط حزام الأمان إنما هو أحد مظاهر الوعي المروري التي ينبغي على كل سائق أن يتحلى بها.
* ما المقصود بالوعي المروري؟
إن كل سائق لديه قدر من الوعي المروري الذي يكثر الحديث عنه هذه الأيام نتيجة الحملة المرورية التوعوية المباركة, ولكن هذا الوعي يختلف من سائق إلى آخر ومن وقت لآخر أيضاً.
والمقصود بالوعي المروري بمفهومه الشامل هنا هو اليقظة الحسية والمعنوية والمعرفة والإلمام الواسع بكل ما يتعلق بالمرور من مركبة وطريق وإشارات وأنظمة وقوانين وغيرها مما ينعكس إيجاباً على الشخص وحسن قيادته ومراعاته للأنظمة المرورية المختلفة.
* لماذا نحتاج إلى الوعي المروري؟
إن الإحصائيات والمعلومات المروعة التي نسمع ونقرأ عنها والناتجة عن حوادث المرور (قتيلان و 8 جرحى كل 8 ساعات في المملكة العربية السعودية) لتعطي دلالة إلى حاجتنا الماسة وبصورة عاجلة إلى الوعي المروري، النظري منه والتطبيقي، لصون أنفسنا من الهلاك أو الوقوع في الخطر، وصون غيرنا من الأذى، وصون مركباتنا من التلف، وصون ما يحيط بنا من الفساد أو الدمار (الطريق، الإشارات، المحلات، المنشآت، وغيرها), إننا نحتاج وبدرجة كبيرة إلى الوعي المروري لتقليل تلك الخسائر البشرية الفادحة، والخسائر الاقتصادية الباهظة الناتجة عن حوادث المرور.
مظاهر الوعي المروري:
إن لهذا الوعي المروري الذي تدعو إليه الحملة ا لإعلامية المرورية، ويدعو إليه المخلصون والمهتمون بسلامة الأفراد والمجتمع مظاهر متعددة، متى ما تحلى السائق بها والتزم بمتطلباتها دل ذلك على استشعار كبير لمسؤولية قيادة السيارة، وحرص على سلامة النفس والغير.
1 فمن أهم مظاهر الوعي المروري، الوعي بحق الله سبحانه وتعالى وأنه هو الحافظ والمستحق للتوكل عليه وحده, وأن من حفظ الله في حدوده وأوامره ونواهيه حفظه الله من كل سوء ومكروه (احفظ الله يحفظك), إن الوعي بحق الله سبحانه وتعالى يؤصل في نفوسنا المسؤولية امامه عن هذه السيارات التي نقودها، وهل نستخدمها في الخير أم الشر، وهل جعلناها سبباً لأذية الخلق أم لمساعدتهم, إن قراءة الأذكار والأدعية الشرعية صباحاً ومساء، والتسمية عند ركوب السيارة، وقراءة دعاء الركوب ودعاء السفر لهو خير مثال على الوعي المروري كما هو خير وسيلة من وسائل السلامة, وهذا لا يعني بالطبع ترك الأخذ بالأسباب، وإنما هي دعوة إلى عدم الركون إلى الأسباب ونسيان الاعتماد على الله، لذا يمكن أن يقال هنا: اربط حزام الأمان وتوكل على الله.
ومن يتوكل على الله فهو حسبه (الطلاق 3)، وعن أنس رضي الله عنه قال : ( من قال يعني إذا خرج من بيته بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له : هديت وكفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان) رواه أبو داود والترمذي، والنسائي وغيرهم وقال الترمذي : حديث حسن, وقانا الله واياكم شر الحوادث المرورية.
2 ومن مظاهر الوعي المروري، الوعي بالمركبات التي نقودها.
إن من أهم اصول قواعد السلامة التي ينبغي على كل سائق أن يكون على وعي وعلم بها المركبة أو السيارة التي يقودها, والوعي بالمركبة يجب ألا يقتصر على نوع السيارة أو موديلها أو بعض جوانب الاستخدام فيها، إنما الوعي أيضا بأهم الجوانب الفنية والإلكترونية التي تساعد على الاستفادة القصوى منها وقيادتها بشكل آمن, وإن أفضل طريق لزيادة الوعي بالمركبة هو قراءة الدليل الإرشادي الذي يأتي مع السيارة, إن هذا الدليل مهم جداً للاستخدام الأمثل للسيارة ولعمل الصيانة المطلوبة لها، ولكن عادة الكثير للأسف إهمال قراءة الكتيبات والأدلة الإرشادية التي تأتي مع الأجهزة والآلات التي نقوم بشرائها وكأنها كتبت لغيرنا.
3 ومن مظاهر الوعي المروري، الوعي بالطرق التي نسير فيها أو نسلكها.
فمن نعمة الله سبحانه وتعالى أننا نسير في الغالب على طرق معبدة ومزودة بوسائل السلامة.
والوعي بالطريق يقتضي من السائق أن يكون على علم وبصيرة بجميع العلامات والخطوط الأرضية ومدلولاتها التي تساعد السائق على القيادة الآمنة, كذلك الوعي بالطريق الجديد في حال السفر أو التنقل، مثل أن يكون طريقاً متعرجاً، أو منزلقاً، أو فيه منحدرات أو حفر أو جمال سائبة أو غيرها من المخاطر التي ينبغي على السائق أن يحذرها.
4 ومن مظاهر الوعي المروري، الوعي بالأنظمة التي ينبغي اتباعها.
وهذا الوعي بالأنظمة يحصل بالإيمان الكامل بأن الأنظمة المرورية إنما وجدت لحمايتنا وليس لمضايقتنا, وأنه كلما كان التزامنا بهذه الأنظمة أكبر كانت سلامتنا وسلامة الآخرين أكبر.
إن الالتزام بالسرعة المقررة داخل المدن وعلى الخطوط السريعة لدليل كبير على مدى وعي السائق والتزامه بالأنظمة المرورية, ولا نتعجب إذا علمنا أن أكثر من 50% من الحوادث تحصل بسبب السرعة غير النظامية, ومن هذه القوانين أيضاً والتي يتردد الحديث حولها كثيراً هذه الأيام، ربط حزام الأمان, إن المطالبة بربط حزام الأمان ما جاء إلا بعد أن أجريت الدراسات والبحوث التي تؤكد أن نسبة كبيرة من الإصابات الخطرة سببها عدم ربط حزام الأمان, ففي دراسة أجريت في الرياض ثبت أن إصابة الرأس تمثل المرتبة الأولى من ضحايا حوادث المرور، تلي تلك إصابة الصدر، وتعد هاتان الإصابتان من أخطر الإصابات الجسدية، وغالباً ما ينجم عنهما الإعاقة أو الوفاة , ومن خلال هذه الدراسة وغيرها يبرز دور حزام الأمان (بمشئة الله) في الحد من خطورة إصابتي الرأس والصدر لأنه يقوم بتثبيت السائق أو الراكب على المقعد ويحميه من الارتطام بالمقود وأجزاء السيارة الداخلية.
وقد يعد بعض السائقين ربط الحزام عملية ثقيلة خصوصاً إذا لم يعتد عليها, إلا أن السائق الواعي هو الذي يتعاهد هذه العادة كلما ركب سيارته حتى تتحول إلى سلوك لا يفارقه مثل إدارة المفتاح وتحريك ملقم السرعة.
5 ومن مظاهر الوعي المروري، الوعي بأهمية ومدلولات الإشارات واللوحات الإرشادية التي تنظم السير.
يصادف السائق أثناء قيادته كثيراً من الإشارات واللوحات الإرشادية التي تنظم السير، أو التحذيرية التي تنبه السائق على حالة الطريق، واتباع ما تدل عليه هذه الإشارات دليل على وعي السائق , ومن هذه الإشارات إشارة إعطاء الأولوية للغير، وممنوع التجاوز، أو إشارة الدوار أوالمطب الاصطناعي، أو الطريق زلق، أو أمامك جمال، وغيرها, ثم إن هناك إشارات أو لوحات تنبيهية مهمة في المدن وعلى الطرق، مثل إشارة عبور المشاة، أو وجود أطفال، أو القرب من المستشفى، أو وجود مدرسة، وإنك لتعجب أحياناً من مرور السائق بالعديد من اللوحات التحذيرية التي تنبه إلى وجود مدرسة أو مرور أطفال، ومع ذلك لا يغير السائق من سرعته أو سلوكه شيئاً.
6 الوعي بوسائل السلامة التي ينبغي التأكد من وجودها أو توفرها في السيارة أو الضروريات التي قد تبدو الحاجة إليها.
إن كثيراً من السائقين وللاسف يغفل التأكد من توفر بعض الأشياء الضرورية في سيارته والتي قد لا يعرف قيمتها إلا إذا احتاج إليها, ومن هذه الأشياء التي ينبغي على كل سائق واع التأكد من وجودها في السيارة: حقيبة العدة، حقيبة الإسعافات الأولية، مثلث الأمان أو السلامة، طفاية الحريق، وغيرها.
وبما أن السائق كثير التنقل داخل البلد وخارجه، مما قد يعرضه لبعض المواقف التي تتطلب المساعدة العاجلة لبعض المحتاجين، فإن على السائق المثالي أن يكون على وعي وبصيرة ببعض الضروريات التي قد تبدو الحاجة إليها أثناء السفر أو القيادة مما قد يكون سببا في إنقاذ مصاب أو التخفيف من معاناة شخص مما يؤجر عليه إن شاء الله، وخير الناس أنفعهم للناس, فمثلاً ينبغي على كل سائق أن يكون لديه حد أدنى من الوعي ببعض طرق الإسعافات الأولية للمصابين، مثل كيفية حمل المصاب، وإيقاف النزيف، أو تخفيف الألم، أو إعطاء التنفس الاصطناعي أو الإنعاش القلبي الرئوي للمحتاجين.
كذلك كيفية التصرف في حال وقوع حادث لا قدر الله سواء للسائق أو للغير، مثل إعطاء التفاصيل كاملة عن موقع الحادث، وحالة المصابين، ومهاتفة عمليات الدوريات والنجدة 999، أو الهلال الأحمر 998، أو أمن الطرق 996.
من أين نحصل على هذا الوعي المروري؟:
إن هذا الوعي الذي ندعو إليه عزيزي القارئ لا يأتي في يوم وليلة، فهو مجموعة من الخبرات المتراكمة، بعضها يأتي من خلال التجربة والخبرة الحية بالممارسة والاحتكاك، وبعضها يأتي من خلال التعلم والتعليم, وإن أهم مصدر لهذا الوعي هو حرص السائق على تثقيف نفسه بنفسه وذلك من خلال القراءة وحضور المعارض التي تقام لهذا الغرض، وحضور الندوات والمحاضرات التي تتحدث عن بعض الجوانب المرورية، وسؤال أهل الاختصاص عما يشكل، وأخذ الدورات المتخصصة مثل دورات الإسعافات الأولية.
إن أهمية السيارة كوسيلة مواصلات لا تخفى على أحد، فبدونها لا يمكننا الوصول إلى مقاصدنا وأعمالنا إلا بشق الأنفس، فهي بحق خير معين على توفير الوقت والجهد والمال وذلك بالطبع إذا أحسن استخدامها, ونقول ونؤكد إذا أحسن استخدامها ، لأن هذه الوسيلة قد تصبح نقمة لا قدر الله وقد تكون سبباً في ضياع الوقت، وتشتيت الجهد، وهدر المال وذلك إذا أسيء استخدامها.
لذا كان لزاماً علينا جميعاً أن نكون على وعي كبير بهذه المركبة وما يرتبط بها من أنظمة وقوانين لنحمي أنفسنا ونحمي غيرنا، ونحفظ أوقاتنا وأوقات غيرنا، ونصون أموالنا وأموال غيرنا، ونوفر جهودنا وجهود غيرنا, والله الموفق،،،